أدت نكبة عام 1948 إلى تفتيت النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وبالتالي تشتيت الحالة الثقافية والمجتمعية الفلسطينية، وبات قسم من الشعب الفلسطيني يقطن في الجزء الذي أقيمت عليه إسرائيل، وقسم آخر في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقسم في مناطق الشتات القريبة والبعيدة، لكن اللافت أن ثمة بذور نشاطات مسرحية ظهرت بين الأقلية العربية في إسرائيل في منتصف الخمسينيات، وقد برز من أسماء الفنانين العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر صبحي الداموني، أديب جهشان، ونصري الجوزي ككاتب، وقد أدت النشاطات المسرحية العربية في إسرائيل إلى تأسيس عدد من الفرق المسرحية العربية هناك، كان من أهمها حسب هيئة الاستعلامات الفلسطينية:
[url=https://servimg.com/view/11392506/9]
[/
فرقة «بلالين» وفرقة «دبابيس» وفرقة «المسرح الشعبي» وفرقة «المسرح الحديث» وفرقة «كشكول» وفرقة «المسرح الحي» وفرقة «المسرح الفلسطيني»، وتنوعت النشاطات المسرحية، بيد أن الملاحظ أن أغلبية المسرحيات ركزت على رفض مصادرة الإسرائيليين للأراضي العربية، فضلاً عن مسرحيات أطفال هادفة إلى إحياء ذاكرة الآباء في وطن مسلوب منذ النكبة الكبرى التي كانت الحاضر الأكبر في تغذية الكتابات المسرحية، وتثير في الوقت ذاته عملية دفع الإبداع المسرحي إلى الأمام، وذلك على الرغم من الآثار السلبية الكبيرة للنكبة على النشاطات المسرحية الفلسطينية والمسرح الصاعد قبل عام 1948. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى مجموعة الأسماء التي اهتمت بالكتابة للمسرح ما بين عامي 1919 و1949، وفي هذا المجال يمكن ذكر جميل حبيب بحري، والإخوة صليبا ونصري وجميل وفريد الجوزي. وكانت حركة المسرح الفلسطيني قد تأثرت بكثير من العوامل في تلك الفترة إضافة إلى المدارس التبشيرية، فقد كانت هناك مدارس وطنية أسست كردّ على المدارس التبشيرية، واهتمت هذه المدارس بالمسرح حيث قدم معظمها مسرحية واحدة على الأقل في نهاية كل عام دراسي. وأي دارس لتاريخ المسرح الفلسطيني لا يستطيع أن ينكر عامل الفرق المصرية والشامية والأجنبية التي زارت فلسطين بين أعوام 1920 – 1930، أمثال فرقة جورج أبيض والريحاني وعلي الكسار، كما قام عدد من الفرق الأجنبية بتقديم مسرحيات شكسبير وموليير، ما دفع بعض الشبان الفلسطينيين إلى تأسيس فرق تمثيلية في العديد من المدن. وفي تلك الفترة وصل عدد الفرق المسرحية في مدينة القدس وحدها إلى ما يزيد على 30 فرقة، غير أن هذه الفرق كانت ضعيفة المستوى، وأثرت كذلك الجمعيات والنوادي ومحطة الإذاعة الفلسطينية والصحف والمطابع بشكل أو بآخر على الاهتمام بالمسرح في تلك الفترة. وفي الشتات لم نر حركة مسرحية متكاملة بفعل تشتت الفنانين الفلسطينيين، لكنه مع انطلاقة الثورة الفلسطينية خطا المسرح الفلسطيني، كما تؤكد ذلك الهيئة العامة للاستعلامات الفلسطينية، خطوة أخرى، حيث تطلع الثوار إلى إعادة النشاطات الثقافية والفنية التي أهدرت طوال سنوات النكبة، فقامت، وبمبادرة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني، «جمعية المسرح العربي الفلسطيني»، عام 1966، وحددت لنفسها أهدافاً واضحة هي:
1– التوعية بالقضية الفلسطينية.
2- عرض تجارب الثورة الفلسطينية النضالية على المسرح.
3- إحياء التراث الثقافي الفلسطيني.
ولبلوغ هذه الأهداف تكونت فرقة للتمثيل المسرحي، زارت عواصم البلاد العربية وقدمت عروضها على مسارحها، كما اتجهت الجمعية كذلك إلى ضم شتات الموسيقيين في فرقة قدمت حفلاتها على مسارح دمشق، تخللتها أغان فلسطينية وأناشيد ثورية وعروض أزياء شعبية فلسطينية. كما أسهمت جمعية المسرح العربي الفلسطيني في تكوين نواة لفرقة فنون شعبية من أجل إحياء التراث الشعبي وحمايته من الضياع، وقد تبنت حركة فتح هذه الفرقة. وقد قدمت الجمعية مسرحياتها على مسارح كثيرة في العواصم العربية:
1- «شعب لن يموت» تأليف فتى الثورة وإخراج صبري سندس.
2- «الطريق» تأليف وإخراج نصر الدين شما.
3- «حفلة من أجل 5 حزيران» تأليف سعد الله ونوس وإخراج علاء الدين كوكش.
وفي الضفة والقطاع أدت السياسات الإسرائيلية إلى تراجع النشاط المسرحي الفلسطيني، نظراً إلى غياب الإمكانات المادية والبشرية لرفد ذلك النشاط ودفعه إلى الأمام ليقوم بدوره الحضاري، لكنه مع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في صيف عام 1994 بدأ المتابع يتحسس نمواً تدريجياً في حركة المسرحيين والمسارح الفلسطينية لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب بسبب الدمار الذي يخلفه الجيش الإسرائيلي يومياً ويحول دون تنمية حقيقية في مجالات الحياة المختلفة. لكن لابد من الإشارة إلى أنه على الرغم من تشتت المسرحيين الفلسطينيين بعد نكبة عام 1948 ونكسة حزيران في عام 1967، هناك تحسس واضح من قبل مثقفين وكتّاب وأكاديميين فلسطينيين وعرب لجهة دفع عجلة النشاطات المسرحية الفلسطينية للحفاظ على مكونات الهوية الفلسطينية .