من الجاني؟!
آن الأوان لنتحرك، فقد غلى المرجل حتى بدأت معالم الانفجار واضحة، وليس أبرز من بوادر هذا الانفجار ما حصل في 16/4/2007، حين سوّلت لطالب نفسه أن يغرس سكينا في ظهر زميل له كان حتى وقت قريب من خيرة أصدقائه.
ما دفع هذا الطفل لقتل الآخر، على اعتبار أن عمريهما أقل من 18 عاما، هو تراكمات كثيرة، لم تكن وليدة الصدفة، أو غضبة عابرة، بل كانت تحت نظرنا جميعا؛ المدرسة والطلاب، والمجتمع، والمؤسسات المقدسية المعطلة.
فمن ناحيته، كان الجاني يعاني من عزلة جرتها عليه تصرفاته، وكانت غيرته واضحة، وإن كانت من المسائل الطبيعية في سن المراهقة، فهي مع غيرها من المظاهر ستكون حجرا في بناء أدى إلى ما آل إليه الوضع. ومع ذلك لم تكتمل دائرة الإرشاد المحيطة به، سواء في المدرس، أو في البيت، أو في المؤسسات، التي يفترض أن تتنبه إلى هذه السلوكيات المكتسبة لتغييرها.
ونحن نشكر الله على أن عدد الضحايا لم يكن كبيرا كما في حالة ذلك الشاب الكوري الجنوبي في جامعة فرجينيا الأمريكية، الذي دفعه إحباطه وغيرته وانطواؤه، إلى اقتراف أبشع مجزرة في تاريخ جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن كل المحيطين به، وكتاباته، كانت مؤشرا يمكن أن ينبئ بما يمكن أن يقوم به.
ونحن لا نتحدث عن طفلين ربيا في بيئة موبوءة، أو كبرا في عائلة مفككة، أو خاضا تجربة الإدمان، بل نتحدث عن طالبين من عائلتين ميسورتين، في مدرسة خاصة يلتحق بها نخبة أبناء العائلات الميسورة. ومثل هذه المدرسة ينتشر في كافة مدن الضفة، وتقوم بمثل أنشطتها، إن لم يكن أكثر، وينظر إلى طلبتها ذات النظرة.
لكن كثيرا من الطلبة فقدوا البوصلة، فلم يعودوا يعرفون إلى أي جهة يتوجهون. وفي حالة الطلبة المقدسيين، فإن إغلاق بيت الشرق، وغياب المؤسسات الفلسطينية، وانشغال البقية الباقية في أنشطة لا تسمن ولا تغني من جوع؛ خشية أن يكون مصيرها كمصير كثير من مثيلاتها التي أغلقت بقرار من سلطات الاحتلال، أدى إلى مزيد من الاغتراب والاحتقان. وإذا رغب بعض هذه المؤسسات في توجيه بعض برامجها للشباب المقدسي، يأتي "فيتو" المؤسسات المانحة، بحجة أن "أطفال القدس مرفهون ومدللون"...
ما حصل يجب أن يجعلنا نعيد الحسابات، فهناك أمور كثيرة سلبية تغزو شباب القدس، الذين أصبحوا في عزلة؛ فهم بعيدون عن امتدادهم الطبيعي في الضفة الغربية، ولا يمكنهم أن يندمجوا في أسلوب الحياة الإسرائيلي...
والبوصلة تدور وتدور، وهم ضحايا، الجاني والمجني عليه ضحايا، أحدهما سنردد كلما ذكرنا اسمه عبارة "رحمه الله"، والآخر ربما يعامل كحدث، فلا يكون عقابه كعقاب المجرمين؛ لأنه ضحية لعدم قدرة محيطه على الاستجابة لغضبه وإحباطه؛ فالأهالي مشغولون بتوفير لقمة العيش الصعبة، والحياة الكريمة لأبناء أثبتت هذه الحادثة ألا أمان لهم بعد الآن.
لا بد لنا أن ندرك بأن قدسية المكان ليست بمعزل عن قدسية الأرواح، فإذا أردنا أن نحافظ على المقدسات، يتوجب علينا أن نتحرك الآن، وقبل فوات الأوان، لنحمي شبابنا